جرحي غزة في المستشفيات المصرية يحتاجون منا الدعاء والمواساة والدعم، في مثل هذه المواقف أتذكر قول رسول الله صلي الله عليه وسلم: (ليس المخبر كالمعاين).
عندما دخلت مستشفي الهلال الأحمر تغير إحساسي علي الفور ودخلت في حالة جديدة، الموقف أكبر من الكلمات والإحساس بهول المأساة ينتقل إليك دون كلام، هل تحتاج أن تسأل من فقد ساقيه أو عينيه كيف حالك؟ ما يعتمل في الصدر من مشاعر التعاطف والنصرة والغضب والسخط تعجز قوالب اللغة المعروفة عن نقله، لكنهم يشعرون بإحساسك ويخفف عنهم بعض الشيء، ثم إنك أنت تستفيد منهم بما يصدرونه لك من معاني الصبر والإيمان واليقين في الله، لا يتكلمون كثيرا ولكن كلماتهم البسيطة أبلغ من كل الخطب والبيانات.
أغلب الإصابات (بتر للأطراف وحروق وشلل) شباب في مقتبل العمر من الجنسين سوف يبدءون حياتهم بنصف جسد ولكن لديهم من الصبر واليقين ما يعوضهم عما فقدوا ويجعلهم أيضا يمنحون غيرهم الكثير.
أحمد أبو طه، الفتي البرئ، و إيمان نصر، السيدة الصابرة، و سمير الخطيب، رائد الشرطة، وعدنان جميل، الذي يتحدث عن استشهاد ابنه وإصابته البالغة بقوله: "نحن في نعمة كبيرة" ... مجرد نماذج بسيطة تتكرر كثيرا في هذا الشعب المناضل الذي أعادت المحنة صياغته وأخرجت الضغوط من داخله أفضل وأرقي قدرات الإنسان علي الصمود في مواجهة الشدائد.
قالوا: "نحن جميعا وراء المقاومة وليس لدينا خيار آخر" .. "ليس لليهود عهد ولا سلام" .. "توفر لنا المستشفي كل احتياجاتنا ووجدنا من الشعب المصري الحب والنصرة والمساندة" .. "نسألكم الدعاء" .. "المطلب الرئيسي للشعب الفلسطيني هو الأمان فنحن مثل كل الناس نتمنى العيش في أمان الله" .. "قناة الجزيرة هي أفضل القنوات التي نتابعها" .. "الحصار لأهل غزة كان موتا بطيئا" .. "إغلاق المعابر أشعرنا أننا نحيا في سجن كبير" .. "عندما نشاهد الأحياء التي كنا نقيم فيها، مثل حي الزيتون ومخيم جباليا، لا نعرفها بعد أن صارت خرابا ودمارا".
أما الرسالة الأهم والتي اتفق عليها الجميع فهي ألا يكون التعاطف مع أهل غزة هو موجة عاطفية ترتفع تحت سخونة الأحداث وسرعان ما تنقشع بعد ذلك وينساهم الجميع كما حدث قبل ذلك كثيرا، فهذه المأساة لم تكن الأولي التي تعرض لها الشعب الفلسطيني، وفي كل مرة يسمعون ضجيجا إعلاميا ووعودا براقة وتدريجيا يخفت الاهتمام ويتراجع ويجدون أنفسهم يواجهون المحنة وحدهم بغير مساندة وكأنهم لا أهل لهم ولا نصير وكأنهم لا ينتمون لأمة عظيمة تمتلك الكثير.
رسالة أخري تقول: "إذا أردتم توحيد الصف الفلسطيني وجمع شتاته فلا داعي للاستقطاب الذي يؤدي لبعثرة الصف، فكل نظام عربي لديه حساباته ومصالحه الخاصة وعلي أساسها يستقطب فصيلا فلسطينيا، وبالتالي تنتقل الصراعات العربية العربية إلي صفوف المقاومة".
الرسالة الأخيرة: "لا تتعاملوا مع تدمير غزة كأنه كارثة طبيعية لا تملكون إزاءها سوي تقديم الإغاثة والمعونة، غزة لم تتعرض لزلزال أو فيضان ولكن شنت عليها حرب إبادة هي الأشد قسوة وعنفاً وخروجاً علي كل الأعراف والقوانين التي تحكم المجتمع الدولي، حربا استهدفت المدنيين العزل واستخدمت فيها الأسلحة المحرمة دوليا، حربا لم تهلك البشر فقط وتدمر المباني ولكنها لوثت البيئة من ماء وهواء وتربة وتركت آثارا يؤكد الخبراء أنها ممتدة لثلاثين عاما قادمة، والرسالة الأخيرة تقول لا تنسوا القضية الفلسطينية".